مقاصد القرآن الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتأخرين

Transcription

1 مقاصد القرآن الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتأخرين الملخص: د/ عيسى بوعكاز كلية العلوم اإلسالمية جامعة باتنة 1 تعد دراسة مقاصد القرآن الكريم ومحاوره من األمور المهمة للمتخصص بالدراسات اإلسالمية عموما وللمتخصص في التفسير والفقه على الخصوص حيث إن علم المقاصد ال يقف عند الجزئيات بل ينفذ منها إلى الكليات واألهداف في كل جوانب الحياة فهو يبرز الغاية بالمقاصد والغاية التي خلق هللا من أجلها الخلق ومدى تحقيقها. وبعض الدارسين من المتأخرين استخدم مصطلح المحاور بدل المقاصد في دراسته للموضوع. وموضوع مقاصد القرآن الكريم ومحاوره طرقه األوائل في مقدمات تفاسيرهم وفي مصنفات مفردة كما تناوله المتأخرون في مقدمات تفاسيرهم وفي دراسات مستقلة. ومعرفة مقاصد القرآن الكريم لها فوائد كثيرة كفهم القرآن وتفسيره فالعلم بالمقاصد ليس مقصودا لذاته وإنما يراد به إعماله واستثماره في فهم النصوص الشرعية وتوجيهها وهذا يكون على الخصوص في النصوص ظنية الداللة. وقد تناول المتقدمون علم مقاصد القرآن ومحاوره وبينوا مسائل عديدة منه بأسلوب التصريح أو التلميح ولكن دون تحديد للمصطلح باسم محدد. وواصل المتأخرون ما توصل إليه المتقدمون وفصلوا فيه وأضافوا إليه وهذبوا فيه. الكلمات المفتاحية: مقاصد القرآن الكريم محاور المتقدمين المتأخرين. ABSTRACT: The study of the purposes and topics of the Holy Quran is important for the specialist in Islamic studies in general and for the specialist in interpretation and jurisprudence in particular. The science of Makassed is not confined to details and particles but is applied to 18 مجلة اإلحياء

2 د / عيسى بوعكاز total and global issues and objectives in all aspects of life. For which God created creation and the extent of its achievement. And some of the late scholars used the term axes instead of the purposes in his study of the subject. The topic of the purposes of the Holy Quran and its axesis studied by the ancient scholars in the introduction of their interpretations and in independent works. The latter dealt with the precepts of their interpretations and in independent studies. Knowing the purposes of the Holy Quran has many benefits such as understanding the Qur'an and interpreting it. Knowledge of intentions is not intended for itself but rather is intended to be realized and exploited in understanding and guiding the texts of the Shariah. The scholars dealt with the purposes of the Qur'an and its topics and pointed out many issues in it in the manner of declaring or hinting but without specifying the term in a specific name. The late ones continued what the applicants had reached and separated and added to it and delved into it. موضوع مقاصد القرآن الكريم ومحاوره طرقه األوائل في مقدمات تفاسيرهم وفي مصنفات مستقلة وتناوله المتأخرون في مقدمات تفاسيرهم وفي دراسات مستقلة. والبحث يحاول تجلية بعض ما توصلت إليه تلك الدراسات واألبحاث. الفرع األول- مفهوم المقاصد والمحاور قبل عرض ودراسة عناصر الموضوع البد من بيان المفهوم اللغوي واالصطالحي لكلمتي المقاصد والمحاور. العدد: 8282 /82 18

3 أوال- مفهوم المقاصد مقاصد القرآن الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتأخرين 8- مفهوم المقاصد لغة: تطلق كلمة "المقاصد" في اللغة على معاني متعدد ذكرها أصحاب المعاجم ومنها: االعتماد واأل م وإتيان الشيء واستقامة الطريق ومنه قوله تعالى: و ع ل ى ه للا ق ص د ال هسب يل ]النحل: 9 [. والعدل ومنه قوله تعالى: و م ن ه م م ق ت ص د ]فاطر: 23 [. والمقاصد جمع"م ق ص د"والمقصد: مصدر م يم ي م ش ت ق من ق ص د. وحدد ابن فارس داللة الجذر "ق ص د " في ثالثة أصول بقوله: "ال ق اف و الص اد و الد ال أ ص ول ث ال ث ة ي د ل أ ح د ه ا ع ل ى إ ت ي ان ش ي ء و أ م ه و ا ل خ ر ع ل ى اك ت ن از ف ي الش ي ء. ف األ ص ل : ق ص د ت ه ق ص د ا و م ق ص د ا. و م ن ال ب اب : أ ق ص د ه الس ه م إ ذ ا أ ص اب ه ف ق ت ل م ك ان ه و ك أ ن ه ق يل ذ ل ك أل ن ه ل م ي ح د ع ن ه. ت ك س ر.. و األ ص ل ا ل خ ر : ق ص د ت الش ي ء ك س ر ت ه. و األ ص ل الث ال ث : الن اق ة ال ق ص يد : و ال ق ص د ة : )1( ال م ك ت ن ز ة ال م م ت ل ئ ة ل ح م ا. ال ق ط ع ة م ن الش ي ء إ ذ ا وأضاف األزهري معنى آخر فقال: "ال ق ص د: اس تقامة الط ر يق ة ق صد ي ق ص د )3( قصدا ف ه و قاص د و ال ق ص د ف ي المعيشة أال يسر ف و ال يقت ر ". وملخص كالم اللغويين أن مادة )قصد( في االستعمال العربي تدل على معان مشتركة ومتعددة إال أن الغالب عند إطالقها انصرافها إلى العزم على الشيء والتوجه نحوه. 3- مفهوم المقاصد اصطالحا: يمكن تعريف مصطلح المقاصد بما يضاف إليه. ففي الغالب يضاف إلى الشريعة وهو المشهور كما يضاف إلى القرآن الكريم. ورغم كون مقاصد القرآن أعم وأشمل من مقاصد الشريعة فهي األصل ومقاصد الشريعة فرع إال أن مصطلح مقاصد الشريعة هو األشهر واألكثر دراسة وبحثا وتصنيفا عند العلماء منذ القديم و إلى اليوم. 18 مجلة اإلحياء

4 د / عيسى بوعكاز وسنقتصر على ذكر مفهوم المقاصد مضافة إلى القرآن الكريم ألن مفهومها مضافة إلى الشريعة مشهور معروف واجتهد فيه بعض المتقدمين وكثير من المتأخرين. ومن تلك التعريفات لمقاصد القرآن نذكر ما يأتي: - تعريف العز بن عبد السالم حيث عرف مقاصد القرآن بقوله: "معظم مقاصد القرآن األمر باكتساب المصالح وأسبابها والزجر عن اكتساب المفاسد )2( وأسبابها". والتعريف يلمح للمقصد العام لإلسالم بأنه جلب للمصالح ودرء للمفاسد. )4( وهذا التعريف قريب من تعريفات كثير من علماء مقاصد الشريعة. ويمكن تعريف مقاصد القرآن بأنها: "المقاصد التي دارت عليها سور القرآن الكريم وآياته تعريفا برسالة اإلسالم وتحقيقا لمنهجه في هداية البشر". ثانيا- مفهوم المحاور 8- المفهوم اللغوي للمحاور: المحاور مشتق من "ح ور " ويدور معناها اللغوي في المعاجم على معاني عدة منها: جاء في معجم مقاييس اللغة: ")حور( الحاء والواو والراء ثالثة أصول: أحدها لون وا لخ ر الر جوع والثالث أن يدور الشيء د و را. فأما األول فالح و ر: شد ة بياض العين في شد ة سواد ها... وأم ا الرجوع فيقال حار إذا رج ع. قال هللا تعالى: إ نهه ظ هن أ ن هلن ي ح ور ]االنشقاق: 14[. والعرب تقول: "الباطل في ح ور " أي ر ج ع ون ق ص وكل نقص ورجوع ح ور... واألصل الثالث الم ح ور: الخشبة التي تدور فيها الم ح الة. ويقال ح و ر )5( الخ ب ز ة تحويرا إذا هي أتها وأد ر ت ها لتضع ها في الم ل ة". ت واألصل الثالث من معاني المحور هو المراد من البحث فالمحور والمحاور ما يكون مركز دوران األمور واألشياء كالموضوع الرئيس الذي يهيمن على بقية الموضوعات الفرعية في السورة القرآنية. 8 مفهوم المحاور اصطالحا: لقد حاولت البحث للظفر بتعريف للمحاور أو حتى مفهوم يحدد المعنى العام له عموما أو تعريف لمفهوم محاور القرآن خصوصا ولكن المصطلح حديث وقليل االستخدام ولذلك كان كالم العلماء في بيان العدد: 8282 /82 18

5 مقاصد القرآن الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتأخرين مفهومه نادرا. ويمكن القول: إن مفهوم المحور في القرآن الكريم: "هو األمر الجامع الذي يجمع موضوعات السورة وجزئياتها في نسق واحد". فالمحور هو الموضوع العام الشامل لموضوعات السورة القرآنية الجزئية. فمحاور القرآن هي الموضوعات التي تدور عليها السورة والتي يتم من خاللها التوصل للمقصد األصلي من السورة. ثالثا- الفرق بين المقاصد والمحاور: يمكن أن نلخص الفروق في العناصر التالية: المقاصد هي األهداف الكبرى للسورة أو للقرآن وهي مثل مقاصد الشريعة الكبرى المحصورة في خمسة مقاصد. أما الموضوعات فهي المحاور التي تدور عليها السورة والتي يتم من خاللها التوصل للمقصد األصلي من السورة. وأما األغراض فيظهر أنه يمكن التعبير بها عن المقاصد كما يمكن أن نقول أن لكل موضوع غرضا وبمجموع تلك األغراض يتم التوصل للمقصد األصلي. فالسورة لها مقصد كبير رئيس ثم يتم الوصول لهذا المقصد عن طريق محاور - موضوعات - السورة. فهناك تقارب شديد بين هذه العبارات إذ المقاصد مبنية على محاور والعكس والمحاور تحمل أغراضا والعكس. إن المحاور لها أغراض واألغراض تصب في مقاصد وهذا كالم عام وتفصيله العملي أن تأخذ سورة من القرآن وتسبر محاورها وغرض كل محور وتتعرف على مقصد السورة ثم تربط األغراض بالمقصد بعد ربط المحاور باألغراض. وعلى كل فالمحور يتبع لضبط مفهوم الغرض والمقصد حيث نجد مثال ابن عاشور يستخدم الغرض بمعنى المقصد فيذكر غالبا في بداية تفسير كل سورة أغراض السورة ولكن نجد بعض هذه األغراض تستخدم على أنها مقاصد عند الفيروز آبادي في بصائر ذوي التمييز وعند البقاعي في نظم الدرر. 18 مجلة اإلحياء

6 د / عيسى بوعكاز مقصد السورة عمود السورة وهو الهدف العام من السورة وغالبا يكون مقصدا واحدا. أما محاور السورة فهي الموضوعات التي تعرضت لها السورة وهي تظهر بسهولة من خالل استعراض السورة. وأما األغراض فهي مرادفة للمقصد ولكن المقصد األصلي للسورة يكون غرضا واحدا ال أغراضا إال إن شققت المقصد األساس وهو الغرض األساس إلى مقاصد جزئية تشكل بمجموعها المقصد األصلي. الفرع الثالث- مقاصدية القرآن الكريم وأهميتها: إن القرآن الكريم مصدر اإلسالم األول وحجية أي مسألة ترجع إليه تصريحا أو تضمينا وكون المقاصد لها أهمية في تعليل األحكام و بيان الح كم فالقرآن الكريم احتوى على أعلى المقاصد وأكبرها فهو أصل األصول ومصدر المصادر. إن جميع المقاصد القرآنية المعتبرة إنما هي راجعة في جملتها أو تفصيلها تصريحا أو تضمينا إلى هدي القرآن وتعاليمه وأسراره وتوجيهاته. ويمكن التدليل على مقاصدية القرآن الكريم على جهة اإلجمال من خالل األدلة التالية: 1- النصوص القرآنية الدالة على تعليل أفعاله تعالى وأحكامه كثيرة ولو كانت األحكام غير معللة لكانت لهوا وعبثا وهو تعالى منزه عن ذلك كما جاء في قوله تعالى: و م ا خ ل ق ن ا ال هسم اء و األ ر ض و م ا ب ي ن ه م ا ال ع ب ي ن ]سورة األنبياء: 11[. والقرآن يشير إلى المقاصد بصيغ متعددة ومنها: أ- النص على أن من مقاصد القرآن كذا... بلفظ اإلرادة كما في قول هللا عزوجل: ي ر يد ه للا ب ك م ال ي س ر و ال ي ر يد ب ك م ال ع س ر و ل ت ك م ل وا ال ع هدة و ل ت ك ب ر وا ه للا ع ل ى م ا ه د اك م و ل ع لهك م ت ش ك ر ون ]البقرة: 185[. قال اإلمام الطبري: "يريد هللا بكم أيها المؤمنون التخفيف عليكم والتسهيل عليكم لعلمه بمشقة ذلك عليكم في هذه )1( األحوال". العدد: 8282 /82 18

7 مقاصد القرآن الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتأخرين ب- صيغة من صيغ التعليل وهي كثيرة منها: كي الم التعليل باء السببية فمثال "كي" قوله تعالى: ل ك ي ال ت أ س و ا ع ل ى م ا ف ات ك م و ال ت ف ر ح وا ب م ا آت اك م و ه للا ال ي ح ب ك هل م خ ت ال ف خ ور ]الحديد: 32[. ومثال "باء" السببية قوله تعالى: ف ب ظ ل م م ن الهذ ين ه اد وا ح هرم ن ا ع ل ي ه م ط ي ب ات أ ح لهت ل ه م و ب ص د ه م ع ن س ب يل ه للا ك ث يرا ]النساء: 111[. قال القرطبي عن هذه ا لية: "و ق د م الظ ل م ع ل ى الت ح ر يم إ ذ ه و ال غ ر ض ال ذ ي ق ص د إ ل ى اإل خ ب ار ع ن ه ب أ ن ه )7( س ب ب الت ح ر يم ". ومثال "الم" التعليل قول هللا: إ نها أ نز ل ن ا إ ل ي ك ال ك ت اب ب ال ح ق ل ت ح ك م ب ي ن ال هناس ب م ا أ ر اك ه للا و ال ت ك ن ل ل خ ائ ن ين خ ص يما ]النساء: 115[. فعلة إنزال الكتاب هو الحكم بين الناس بشرع هللا. وهناك صيغ أخرى كأن يصف هللا نفسه بالحكمة والرحمة أو حين يبين تعالى فوائد المأمورات وعواقب المنهيات. 3- القرآن الكريم منه تستفاد مقاصد الشارع الحكيم من إرسال الرسل وتنزيل الكتب وبيان العقيدة واألحكام وتكليف المكلفين ومجازاتهم وبعث الخالئق والحياة والكون والوجود.فقد جاء أن المقصد من الخلق هو عبادة الخالق سبحانه واالمتثال له وقد دلت على هذا آيات كثيرة منها قوله تعالى: و م ا خ ل ق ت ال ج هن و ا ل نس إ هال ل ي ع ب د ون ]الذاريات: 51 [ وقوله سبحانه: أ ف ح س ب ت م أ نهم ا خ ل ق ن اك م ع ب ثا و أ نهك م إ ل ي ن ا ال ت ر ج ع ون ]المؤمنون: 115 [. 2- من خالل القرآن الكريم ثبتت مقاصد الشريعة عموما والكليات الشرعية الخمس خصوصا: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال فقد وردت جملة من نصوصه وأحكامه لتثبيت تلك الكليات وتدعيمها واعتبارها أصوال قطعية معتبرة في كل الملل واألمم. 4- من القرآن الكريم تحددت الكثير من الحكم والعلل واألسرار الجزئية التي تعلقت بأحكامها الفرعية والتي شكلت محتوى مهما أسهم في إبراز المقاصد وتكوينها. 12 مجلة اإلحياء

8 د / عيسى بوعكاز 5- من القرآن الكريم استخلصت بعض القواعد الفقهية ذات الصلة بالمقاصد الشرعية فقد كان المنشغلون بفن القواعد يرجعون كل قاعدة إلى أصلها من القرآن والسنة أو منهما معا ومن القواعد المبنية على نصوص من القرآن قاعدة: "المشقة تجلب التيسير" وقاعدة:"الضرورات تبيح المحظورات" وقاعدة: "الضرورة تقدر بقدرها" وقاعدة: "العادة محكمة". 1- من القرآن الكريم استنبطت العديد من الخصائص العامة للشريعة اإلسالمية المتصلة بالمقاصد الشرعية مثل خاصية التيسير والتخفيف ورفع الحرج والوسطية واالتزان والسماحة والرفق واللين والواقعية وغير ذلك من الخصائص الكلية والسمات العامة التي تعاقب الباحثون والدارسون على طرقها وبيانها. وأما أهمية معرفة مقاصد القرآن الكريم عامة - أي بما فيها مقاصد الشريعة- ففوائدها كثيرة نذكر منها: - 1 فهم القرآن الكريم وتفسيره فالعلم بالمقاصد ليس مقصودا لذاته وإنما يراد به إعماله واستثماره في فهم النصوص الشرعية وتوجيهها وهذا يكون على الخصوص في النصوص ظنية الداللة إذ يستعين المجتهد بالمقاصد في فهم النصوص واختيار المعنى المناسب لتلك المقاصد وتوجيه معنى النص بما يخدمها وقد يصل األمر بالمجتهد إلى تأويل النص وصرفه عن ظاهره في حال مخالفة ذلك المعنى )8( الظاهر لمقاصد الشريعة وكلياتها". وبذلك تكون النصوص الشرعية قرآنا وسنة مجاال من مجاالت إعمال المقاصد بل عدها بعض الباحثين في علم المقاصد أول مجال اجتهادي يحتاج إلى النظر المقاصدي قال أحمد الريسوني: "ولعل أول مجال اجتهادي يتوقف على النظر المقاصدي ويستفيد منه هو مجال فهم النصوص وتفسيرها سواء كانت قرآنا أو )9( سنة". ولئن كانت عبارة الريسوني تفيد شيئا من التردد فإن يوسف أحمد دمحم البدوي قد جزم بكون النصوص الشرعية أول مجال إلعمال المقاصد ونص على )11( ذلك صراحة بقوله: "المجال األول: فهم النصوص وتفسيرها ومعرفة داللتها" وشرح ذلك بقوله: "ومن المسلم به أن الشارع قصد من أحكامه تحقيق عبوديته وتحقيق مصالح عباده ودفع الفساد عنهم فإذا وردت نصوص شرعية تحتاج إلى التفسير والبيان فإن هذه النصوص تفسر ويحدد نطاق تطبيقها ومجال إعمالها في العدد: 8282 /82 11

9 مقاصد القرآن الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتأخرين ضوء المصالح والمقاصد التي وردت هذه النصوص لتحقيقها والح كم التي جاءت من )11( أجلها". ففهم النص متوقف على إدراك المقصد. 3- تعميق فهم كتاب هللا وسنة رسوله هللاىلص. 2- الوصول إلى الحكم الشرعي في النوازل التي لم ي نص عليها في الشرع. 4- التيسير على الناس في دينهم ودنياهم قال هللا تعالى: ي ر يد ه للا ب ك م ال ي س ر و ال ي ر يد ب ك م ال ع س ر ]البقرة: 185[. 5- أنها داللة على الكمال في أحكام الدين عقيدة وشريعة وأخالقا إذ إن أحكام الدين ب نيت على مقاصد رفيعة في كلياته وجزئياته وال ريب أن الحكم إذا كان عن مقصد وعلة وفائدة فإنه كمال خالفا لما كان عاريا من ذلك. وقد فصل عماد الدين عشماوي في بيان أهمية معرفة مقاصد القرآن الكريم فعددها في عناصر ومنها: أ- مقاصد القرآن الكريم هي المدخل السليم إلى فهم الرسالة القرآنية اإلسالمية على وجهها الصحيح. ب- تمكن قارئ القرآن من الفهم السليم للمعاني التفصيلية والمقاصد الخاصة ألمثاله وقصصه ووعده ووعيده. ج- هي الميزان والمعيار الذي يجب أن نزن به أعمالنا الفردية والجماعية. د - تسديد فهمنا لمقاصد السنة النبوية جملة وتفصيال. ه- هي المعيار والميزان الذي ال بد منه للمفسرين في مناهجهم وتفسيراتهم )13( فتكون في نطاق مقاصد القرآن. الفرع الثاني - مقاصد القرآن ومحاوره عند المتقدمين: أوال: مقاصد القرآن عند أبي حامد الغزالي ) 828 ه( من خالل كتابه "جواهر القرآن" حدد أبو حامد الغزالي المقصد العام من القرآن بالدعوة إلى هللا ثم بين أن المقاصد القرآنية تنقسم إلى ثالثة أصول وثالث توابع فقال: 18 مجلة اإلحياء

10 د / عيسى بوعكاز أ - في حصر مقاصد القرآن ونفائسه: سر القرآن ولبابه األصفى ومقصده األقصى دعوة العباد إلى الجبار األعلى رب ا لخرة واألولى خالق السماوات العلى واألرضين السفلى وما بينهما وما تحت الثرى فلذلك انحصرت سور القرآن وآياته في ستة أنواع. ثالثة منها: هي السوابق واألصول الم ه م ة. وثالثة: هي الر وادف والتوابع المغن ي ة الم ت م ة. أما الثالثة الم ه همة فهي: تعريف المدعو إليه وتعريف الصراط المستقيم الذي تجب مالزمته في السلوك إليه وتعريف الحال عند الوصول إليه. وأما الثالثة الم غ ن ي ة الم ت همة: فأحدها: تعريف أحوال الم جيبين للدعوة ولطائف ص نع هللا فيهم وس ر ه ومقصود ه التشويق والترغيب وتعريف أحوال الن اكبين والن اكلين عن اإلجابة وكيفية قمع هللا لهم وتنكيل ه بهم وس ر ه ومقصوده االعتبار والترهيب. وثانيها: حكاية أحوال الجاحدين وك ش ف فضائحهم وجهلهم بالمجادلة والم حاج ة على الحق وس ر ه ومقصوده في جنب الباطل اإل فضاح والت ن فير وفي ج نب الحق اإليضاح والت ث بيت والت قهير. وثالثها: تعريف عمارة منازل الطريق وكيفية أخذ الزاد واأل هبة واالستعداد. فهذه ستة أقسام. ب- في شرح مقاصد القرآن: القسم األول: في تعريف المدعو إليه وهو شرح معرفة هللا تعالى... وتشتمل هذه المعرفة على: معرفة ذات الحق تبارك وتعالى ومعرفة الصفات ومعرفة األفعال. هذه المعارف الثالثة ليست على رتبة واحدة بل أنفسها: 1- معرفة الذات: معرفة الذات أضيقها مجاال وأعسرها مناال وأعصاها على الفكر وأبعدها عن قبول الذكر ولذلك ال يشتمل القرآن منها إال على تلويحات وإشارات ويرجع ذكرها إلى ذكر التقديس المطلق كقوله تعالى: ل ي س ك م ث ل ه ش ي ء العدد: 8282 /82 82

11 مقاصد القرآن الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتأخرين ]الشورى: 11 [ وسورة اإلخالص وإلى التعظيم المطلق كقوله: س ب ح ان ه و ت ع ال ى ع هما ي ص ف ون. ب د يع ال هسم او ات و األ ر ض ]األنعام: [. 3- وأما الصفات فالمجال فيها أفسح ونطاق النطق فيها أوسع ولذلك كثرت ا ليات المشتملة على ذكر العلم والقدرة والحياة والكالم والحكمة والسمع والبصر وغيرها. 2- وأما األفعال فبحر متسعة أكنافه وال تنال باالستقصاء أطرافه بل ليس في الوجود إال هللا وأفعاله وكل ما سواه فعله لكن القرآن يشتمل على الجلي منها الواقع في عالم الشهادة... القسم الثاني: في تعريف طريق السلوك إلى هللا تعالى وذلك بالتبتل كما قال هللا تعالى: و ت ب تهل إ ل ي ه ت ب ت يال ]المزمل: 8 [ أي انقطع إليه واالنقطاع إليه يكون باإلقبال عليه واإلعراض عن غيره وترجمته قوله: ال إ ل ه إ هال ه و ف اتهخ ذ ه و ك يال ]المزمل: 9 [ واإلقبال عليه إنما يكون بمالزمة الذكر واإلعراض عن غيره يكون بمخالفة الهوى والتنقي عن كدورات الدنيا وتزكية القلب عنها والفالح نتيجتها كما قال هللا تعالى: ق د أ ف ل ح م ن ت ز هكى و ذ ك ر اس م ر ب ه ف ص لهى ]األعلى: 15-14[. فعمدة الطريق أمران المالزمة والمخالفة المالزمة لذكر هللا تعالى والمخالفة لما يشغل عن هللا وهذا هو السفر إلى هللا وليس في هذا السفر حركة ال من جانب المسافر وال من جانب المسافر إليه فإنهما معا أ و م ا سمعت قوله تعالى وهو أصدق القائلين: و ن ح ن أ ق ر ب إ ل ي ه م ن ح ب ل ال و ر يد ]سورة ق: 11 [. القسم الثالث: في تعريف الحال عند ميعاد الوصول إليه وهو يشتمل على ذكر الروح والنعيم الذي يلقاه الواصلون والعبارة الجامعة ألنواع روحها الجنة وأعالها لذة النظر إلى هللا تعالى ويشتمل أيضا على ذكر الخزي والعذاب الذي يلقاه المحجوبون عنه بإهمال السلوك والعبارة الجامعة ألصناف آالمها الجحيم وأشدها ألما ألم الحجاب واإلبعاد مجلة اإلحياء

12 د / عيسى بوعكاز القسم الرابع: في أحوال السالكين والناكبين: أما أحوال السالكين فهي قصص األنبياء واألولياء كقصة آدم ونوح وإبراهيم وموسى وهارون وزكرياء ويحيى وعيسى ومريم وداود وسليمان ويونس ولوط وإدريس والخضر وشعيب وإلياس ودمحم وجبريل وميكائيل والمالئكة وغيرهم. وأما أحوال الجاحدين والناكبين فهي كقصص نمرود وفرعون وعاد وقوم لوط وقوم تبع وأصحاب األيكة وكفار مكة وعبدة األوثان وإبليس والشياطين وغيرهم. وفائدة هذا القسم الترهيب والتنبيه واالعتبار... القسم الخامس: في محاجة الكفار ومجادلتهم وإيضاح مخازيهم بالبرهان الواضح وكشف تخاييلهم وأباطيلهم: وذلك ثالثة أنواع: أحدها: ذكر هللا تعالى بما ال يليق به من أن المالئكة بناته وأن له ولدا وشريكا وأنه ثالث ثالثة. والثاني: ذكر رسول هللا بأنه ساحر وكاهن وكذاب وإنكار نبوته وأنه بشر كسائر الخلق فال يستحق أن يتبع. وثالثها إنكار اليوم ا لخر وجحد البعث والنشور والجنة والنار وإنكار عاقبة الطاعة والمعصية وفي محاجة هللا تعالى إياهم بالحجج لطائف وحقائق ويوجد فيها الترياق األكبر وآياته أيضا كثيرة ظاهرة. القسم السادس: في تعريف عمارة منازل الطريق وكيفية التأهب للزاد واالستعداد بإعداد السالح الذي يدفع سراق المنازل وقطاعها: الدنيا منزل من منازل السائرين إلى هللا تعالى والبدن مركب فمن ذهل عن تدبير المنزل والمركب لم يتم سفره وما لم ينتظم أمر المعاش في الدنيا ال يتم أمر التبتل واالنقطاع إلى هللا تعالى الذي هو السلوك وال يتم ذلك حتى يبقى بدنه سالما ونسله دائما ويتم كالهما بأسباب الحفظ لوجودهما وأسباب الدفع لمفسداتهما ومهلكاتهما. وإن جمعت األقسام الستة المذكورة مع شعبها المقصودة في سلك واحد ألفيتها عشرة أنواع: ذكر الذات وذكر الصفات وذكر األفعال وذكر المعاد وذكر العدد: 8282 /82 88

13 مقاصد القرآن الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتأخرين الصراط المستقيم أعني جانبي التزكية والتحلية وذكر أحوال األولياء وذكر أحوال )12( األعداء وذكر محاجة الكفار وذكر حدود األحكام". ثانيا: مقاصد القرآن عند البغوي )888 ه( من خالل تفسيره "معالم التنزيل": ذكر البغوي في مقدمة تفسيره "معالم التنزيل" بعض المقاصد على سبيل اإلجمال وتعريضا غير قاصد الحديث عن مقاصد القرآن في معرض وصفه ما جاء في القرآن الكريم من الهدى والفالح فقال: "وأنزل ع ل ي ه ب ف ض ل ه ن ور ا ه د ى ب ه م ن الض ال ل ة و أ ن ق ذ ب ه م ن الجهالة حكم بالفالح لمن تبعه وبالخسران لمن أعرض عنه بعد ما سمعه وأعجز ال خ ل يق ة ع ن م ع ار ض ت ه و ع ن اإل ت ي ان ب س ور ة م ن م ث ل ه ف ي م ق اب ل ت ه ثم سهل ع ل ى ال خ ل ق م ع إ ع ج از ه ت ال و ت ه و ي س ر ع ل ى األ ل س ن ق ر اء ت ه أ م ر ف يه و ز ج ر و ب ش ر و أ ن ذ ر و ذ ك ر ال م و اع ظ ل ي ت ذ ك ر و ق ص ع ن أ ح و ال ال م اض ين ل ي ع ت ب ر و ض ر ب ف ي ه األ م ث ال ل ي ت د ب ر و د ل ع ل ى آي ات الت و ح يد ل ي ت ف ك ر و ال ح ص ول ل ه ذ ه ال م ق اص د إ ال ب د ر اي ة )14( ت ف س ير ه و أ ع ال م ه ". فجعل من مقاصد القرآن ذكر المواعظ وأخبار الماضين وأحكام العقيدة والتذكر والتدبر والتفكر واالعتبار. فعد هذه األمور من المقاصد وقد يعدها غيره من محاور القرآن كونها من الموضوعات الرئيسة في القرآن الكريم. ثالثا: مقاصد القرآن عند ابن جزي ) 288 ه( من خالل تفسيره "التسهيل لعلوم التنزيل": ذكرت مقاصد القرآن بشكل أوضح عند ابن جزي الكلبي في مقدمة تفسيره تحت باب سماه: "في المعاني والعلوم التي تضمنها القرآن" وميز بين مقصد عام ومقصد تفصيلي فقال ما نصه: "الباب الثالث: في المعاني والعلوم التي تضمنها القرآن. ولنتكلم في ذلك على الجملة والتفصيل. أما الجملة فاعلم أن المقصود بالقرآن دعوة الخلق إلى عبادة هللا وإلى الدخول في دينه ثم إن هذا المقصد يقتضي أمرين ال بد منهما وإليهما ترجع معاني القرآن كله: أحدهما بيان العبادة التي دعي الخلق إليها واألخرى ذكر بواعث تبعثهم على الدخول فيها وترد دهم إليها فأما العبادة فتنقسم إلى نوعين وهما أصول العقائد وأحكام األعمال. وأما البواعث عليها فأمران وهما: الترغيب والترهيب. 88 مجلة اإلحياء

14 د / عيسى بوعكاز وأما على التفصيل فاعلم أن معاني القرآن سبعة: هي علم الربوبية والنبوة )15( والمعاد واألحكام والوعد والوعيد والقصص". والمتأمل في كالم ابن جزي يلحظ تداخال في كالمه بين مقاصد القرآن ومعاني القرآن وموضوعاته وهما أمران وجب التمييز بينهما لكن جمعه بينهما في هذا السياق يرجع إلى كون الموضوعات والمعاني القرآنية العامة التي سردها إنما جاءت خادمة لذلك المقصد العام الذي حدده في "الدعوة إلى دين هللا". وهو بذلك يشير إلى محاور القرآن وحصرها في سبعة. ونخلص من خالل البحث في علم مقاصد القرآن ومحاوره عند المتقدمين أنهم تناولوا الموضوع وبينوا مسائل عديدة منه بأسلوب التصريح أو التلميح ولكن دون تحديد للمصطلح باسم محدد. أما مصطلح المحاور فلم نعثر عليه عندهم. الفرع الرابع- مقاصد القرآن ومحاوره عند المتأخرين: احتفت مؤلفات المتأخرين بدراسة مقاصد القرآن من خالل تفسيرهم للقرآن الكريم خصوصا أو في مصنفاتهم في علوم القرآن عموما كما استخدم بعضهم مصطلح المحاور وسيأتي بيان كل ذلك بتفصيل بحسب ما يسمح به المقام. أوال- مقاصد القرآن عند دمحم رشيد رضا من خالل كتابه "الوحي المحمدي": ذكر رشيد رضا هذه المقاصد في معرض تفسيره لمطلع سورة يونس وهو قوله تعالى: الر ت ل ك آي ات ال ك ت اب ال ح ك ي م. أ ك ان ل لنهاس ع ج با أ ن أ و ح ي ن ا إ ل ى ر ج ل م ن ه م أ ن أ نذ ر النهاس و ب ش ر الهذ ين آم ن وا أ هن ل ه م ق د م ص د ق ع ند ر ب ه م ق ال ال ك اف ر ون إ هن ه ذ ا ل س اح ر م ب ين ]يونس: 3-1[. وإثباته صدق نبوة دمحم هللاىلص وتفنيد مزاعم من عارضها وطعن فيها وفي سياق بيان هذا األمر أورد فصوال طويلة في بيان حقيقة القرآن الكريم الموحى به إلى النبي هللاىلص فذكر مقاصده تحت باب كبير سماه: "آية هللا الكبرى: القرآن العظيم" وفصل يتفرع عنه سماه: "مقاصد القرآن في ترقية نوع اإلنسان" ثم فصل القول في هذه المقاصد حاصرا إياها في عشرة سأكتفي بذكرها ملخصة فيما يأتي: المقصد األول من مقاصد القرآن: في بيان حقيقة أركان الدين الثالثة التي دعا إليها الرسل وضل فيها أتباعهم إن أركان الدين األساسية التي بعث هللا تعالى بها جميع رسله وناط بها سعادة البشر هي الثالثة المبينة بقوله تعالى: إ هن الهذ ين آم ن وا العدد: 8282 /82 88

15 مقاصد القرآن الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتأخرين و الهذ ين هاد وا و النهصارى و ال هصاب ئ ين م ن آم ن ب ا ه لل و ال ي و م ا ل خ ر و ع م ل صال حا ف ل ه م أ ج ر ه م ع ن د ر ب ه م و ال خ و ف ع ل ي ه م و ال ه م ي ح ز ن ون ]البقرة: 13[ وهاك الكالم على كل واحد منها باإليجاز ألن المراد هنا بيان أن ما جاء به القرآن منها هو أتم وأكمل من المعروف في سائر األديان وفيه صالح لما أفسد أهل الملل من دين األنبياء مما طرأ على كتبهم من الضياع والتحريف وما ابتدعوا فيه من األهواء والتقاليد وليس المراد بيانها في ذاتها بالتفصيل الذي يتوقف عليه العمل حتى إذا ثبت ما يقصده من نبوة دمحم هللاىلص وكون هذا القرآن كالم هللا عز وجل أوحاه إليه علم منه أنه يجب على المؤمن به أن يتعلم جميع ما فرضه عليه... المقصد الثاني من مقاصد القرآن: والرسالة ووظائف الرسل.. المقصد الثالث من مقاصد القرآن: والجماعات واألقوام... بيان ما جهل البشر من أمر النبوة إكمال نفس اإلنسان من األفراد المقصد الرابع من مقاصد القرآن: اإلصالح اإلنساني االجتماعي السياسي الوطني بالوحدات الثماني )وحدة األمة- وحدة الجنس البشرى- وحدة الدين- وحدة التشريع بالمساواة في العدل- وحدة األخوة الروحية والمساواة في التعبد- وحدة الجنسية السياسية الدولية- وحدة القضاء- وحدة اللغة(. المقصد الخامس من مقاصد القرآن:»تقرير مزايا اإلسالم العامة في التكاليف الشخصية من الواجبات والمحظورات«ونلخص أهمها باإلجمال في عشر جمل أو قواعد وتتمثل في: األولى: كونه وسطا جامعا لحقوق الروح والجسد ومصالح الدنيا وا لخرة وهو نص قوله تعالى: و ك ذل ك ج ع ل ناك م أ همة و س طا ]البقرة: 142[. الثانية: كون غايته الوصول إلى سعادة الدنيا وا لخرة بتزكية النفس باإليمان الصحيح ومعرفة هللا والعمل الصالح ومكارم األخالق ومحاسن األعمال ال بمجرد االعتقاد واالتكال وال بالشفاعات وخوارق العادات. الثالثة: كون الغرض منه التعارف والتأليف بين البشر ال زيادة التفريق واالختالف كما يزعم أعداء األديان. 88 مجلة اإلحياء

16 د / عيسى بوعكاز الرابعة: كونه يسرا ال حرج فيه وال عسر وال إرهاق وال إعنات قال هللا ع ز وجل : ال ي ك ل ف ه للا ن ف سا إ هال و س ع ها ]البقرة: 381[ وقال بلغت حكمته: و ل و شاء ه للا أل ع ن ت ك م ]البقرة: 331[. الخامسة: منع الغلو في الدين وإبطال جعله تعذيبا للنفس بإباحة الطيبات والزينة بدون إسراف وال كبرياء. وقد فصلنا ذلك في تفسير ا ليات الواردة في األمر باألكل من الطيبات في سورة البقرة وسورة المائدة وتفسير قوله تعالى: ي ا ب ن ي آد م خ ذ وا ز ين ت ك م ع ند ك ل م س ج د و ك ل وا و اش ر ب وا و ال ت س ر ف وا إ نهه ال ي ح ب ال م س ر ف ين )88( ق ل م ن ح هرم ز ين ة ه للا الهت ي أ خ ر ج ل ع ب اد ه و ال هطي ب ات م ن الر ز ق ق ل ه ي ل هلذ ين آم ن وا ف ي ال ح ي اة الد ن ي ا خ ال ص ة ي و م ال ق ي ام ة ك ذ ل ك ن ف ص ل ا ل ي ات ل ق و م ي ع ل م ون ]األعراف: 21-23[. وقال هللا تعالى: ي ا أ ه ل ال ك ت اب ال ت غ ل وا ف ي د ين ك م ]النساء: 171[ وفي هذا النهى اعتبار للمسلمين ألنهم أولى باالنتهاء عن الغلو بأن دينهم دين الرحمة واليسر واألحاديث الصحيحة في نهي المسلمين عن الغلو في العبادة وعن ترك الطيبات وعن الرهبانية مبينة لهذه ا ليات وهى مصداق تسمية النبي هللاىلص لملته بالحنيفية السمحة. السادسة: قل ة تكاليفه وسهولة فهمها وقد كان األعرابي يجيء النبي هللاىلص من البادية فيسلم فيعل مه ما أوجب هللا وما حر م عليه في مجلس واحد فيعاهده على العمل به فيقول هللاىلص:»أفلح األعرابي إن صدق«وكان هذا أعظم أسباب قبول الناس له... السابعة: انقسام التكليف إلى عزائم ورخص وكان ابن عباس يرج ح جانب الرخص وابن عمر يرج ح العزائم والناس درجات في التقصير والتشمير واالعتدال فهو يوافق البدوي الساذج والفيلسوف الحكيم وما بينهما من الطبقات. قال هللا تعالى: ث هم أ و ر ث ن ا ال ك تاب الهذ ين اص ط ف ي نا م ن ع باد نا ف م ن ه م ظال م ل ن ف س ه و م ن ه م م ق ت ص د و م ن ه م ساب ق ب ال خ ي رات ب إ ذ ن ه للا ذل ك ه و ال ف ض ل ال ك ب ير ]فاطر: 23[. الثامنة: نصوص الكتاب والسنة وهدي السنة مراعى فيهما درجات تفاوت البشرية في العقل والفهم وعلو الهمة وضعفها فالقطعي منها هو العام وغير القطعي تتفاوت فيه األفهام فيأخذ كل أحد منه بما أداه إليه اجتهاده... التاسعة: معاملة الناس بظواهرهم وجعل البواطن موكولة إلى هللا تعالى فليس ألحد من الحكام وال الرؤساء الرسميين وال لخليفة المسلمين أن يعاقب أحدا وال العدد: 8282 /82 88

17 مقاصد القرآن الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتأخرين أن يحاسبه على ما يعتقد أو يضمر في قلبه وإنما العقوبات على المخالفات العملية لألحكام العامة المتعلقة بحقوق الناس ومصالحهم. العاشرة: مدار العبادات كل ها على اتباع ما جاء به النبي هللاىلص في الظاهر فليس ألحد فيها رأى شخصي وال رئاسة ومدارها في الباطن على اإلخالص هلل تعالى وصحة النية وا ليات واألحاديث في األمرين كثيرة. كل واحدة من هذه العشر جديرة بأن تجعل مقصدا خاصا من مقاصد الوحي ويستدل بها على أنه من عند هللا عز وجل... المقصد السادس من مقاصد القرآن بيان حكم اإلسالم السياسي الدولي: نوعه وأساسه وأصوله العامة اإلسالم دين هداية وسيادة وسياسة وحكم ألن ما جاء به من إصالح البشر في جميع شئونهم الدينية ومصالحهم االجتماعية والقضائية يتوقف على السيادة والقول والحكم بالعدل وإقامة الحق واالستعداد لحماية الدين والدولة... المقصد السابع من مقاصد القرآن: اإلرشاد إلى اإلصالح المالي. المقصد الثامن من مقاصد القرآن: إصالح نظام الحرب ودفع مفاسدها وقصرها على ما فيه الخير للبشر نظرة عامة في فلسفة الحرب والسلم والمعاهدات... المقصد التاسع من مقاصد القرآن: إعطاء النساء جميع الحقوق اإلنسانية والدينية والمدنية... المقصد العاشر من مقاصد القرآن: )11( تحرير الرقبة...". ومجمل ما ذكره دمحم رشيد رضا من مقاصد القرآن العشرة فيه بعض من المقاصد الفرعية لمقاصد أصلية كما أنه لم يشر إلى مصطلح المحاور في كالمه عن مقاصد القرآن الكريم. 8- مقاصد القرآن عند عبد العظيم الزرقاني من خالل كتابه "مناهل العرفان": ذكر الزرقاني مقاصد القرآن في معرض كالمه حول ترجمة القرآن فقال: "مقاصد القرآن الكريم: بما أن الترجمة عرفا ال بد أن تتناول مقاصد األصل جميعا فإنا نقفك على أن له تعالى في إنزال كتابه العزيز ثالثة مقاصد رئيسية أن يكون 82 مجلة اإلحياء

18 د / عيسى بوعكاز هداية للثقلين وأن يقوم آية لتأييد النبي هللاىلص وأن يتعبد هللا خلقه بتالوة هذا الطراز )17( األعلى من كالمه المقدس". ثم بين هدايات القرآن فقال: "وهداية القرآن تمتاز بأنها عامة وتامة وواضحة..." أما عمومها فألنها تنتظم اإلنس والجن في كل عصر ومصر وفي كل زمان ومكان قال هللا سبحانه: و أ وح ي إ ل هي ه ذ ا ال ق ر آن أل ن ذ ر ك م ب ه و م ن ب ل غ ]األنعام: 19[ وقال جلت حكمته: و ه ذ ا ك ت اب أ ن ز ل ن اه م ب ار ك م ص د ق الهذ ي ب ي ن ي د ي ه و ل ت ن ذ ر أ هم ال ق ر ى و م ن ح و ل ه ا ]األنعام: 93[. وأما تمام هذه الهداية فألنها احتوت أرقى وأوفى ما عرفت البشرية وعرف التاريخ من هدايات هللا والناس وانتظمت كل ما يحتاج إليه الخلق في العقائد واألخالق والعبادات والمعامالت على اختالف أنواعها وجمعت بين مصالح البشر في العاجلة وا لجلة ونظمت عالقة اإلنسان بربه وبالكون الذين يعيش فيه ووفقت بطريقة حكيمة بين مطالب الروح والجسد اقرأ إن شئت قوله سبحانه: لهي س ال ب هر أ ن ت و ل وا و ج وه ك م ق ب ل ال م ش ر ق و ال م غ ر ب و ل ك هن ال ب هر م ن آم ن ب ا ه لل و ال ي و م ا ل خ ر و ال م ال ئ ك ة و ال ك ت اب و ال هنب ي ين و آت ى ال م ال ع ل ى ح ب ه ذ و ي ال ق ر ب ى و ال ي ت ام ى و ال م س اك ي ن و اب ن ال هسب يل و ال هسائ ل ين و ف ي الر ق اب و أ ق ام ال هصال ة و آت ى ال هزك اة و ال م وف ون ب ع ه د ه م إ ذ ا ع اه د وا و ال هصاب ر ين ف ي ال ب أ س اء و ال هض هراء و ح ين ال ب أ س أ ول ئ ك ا هلذ ين ص د ق وا و أ ول ئ ك ه م ال م تهق ون ]البقرة: 177 [... إلى غير ذلك من آيات كثيرة. وأما وضوح هذه الهداية فلعرضها عرضا رائعا مؤثرا توافرت فيه كل وسائل اإليضاح وعوامل اإلقناع: أسلوب فذ معجز في بالغته وبيانه واستدالل بسيط عميق يستمد بساطته وعمقه من كتاب الكون الناطق وأمثال خالبة تخرج أدق المعقوالت في صورة أجلى الملموسات وحكم بالغات تبهر األلباب بمحاسن اإلسالم وجالل التشريع وقصص حكيم مختار يقوي اإليمان واليقين ويهذب النفوس والغرائز ويصقل األفكار والعواطف ويدفع اإلنسان دفعا إلى التضحية والنهضة ويصور له مستقبل األبرار والفجار تصويرا يجعله كأنه حاضر تراه األبصار في رابعة النهار واألمثلة على ذلك كثيرة في القرآن يخرجنا استعراضها عما نحن بسبيله ا لن. والمهم أن نعلم في هذا المقام أن الهدايات القرآنية الكريمة منها ما استفيد من معاني القرآن األصلية ومنها ما استفيد من معانيه التابعة أما القسم األول فواضح ال يحتاج إلى العدد: 8282 /82 81

19 مقاصد القرآن الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتأخرين تمثيل وهو موضع اتفاق بين الجميع وأما القسم الثاني ففيه دقة جعلت بعض الباحثين )18( يجادل فيه". أجمل الزرقاني مقاصد القرآن في ثالثة مقاصد رئيسة الهداية وإثبات معجزة القرآن وتعبد الخلق بتالوته والعمل بما جاء به. ولم يشر الزرقاني لمصطلح المحاور. 8- مقاصد القرآن عند دمحم الطاهر بن عاشور من خالل مقدمة تفسيره "التحرير والتنوير": تحدث ابن عاشور عن مقاصد القرآن في مقدمة تفسيره فقال: "ليس قد وجب على ا لخذ في هذا الفن التفسير - أن يعلم المقاصد األصلية التي جاء القرآن لتبيانها فلنلم بها ا لن بحسب ما بلغ إليه استقراؤنا وهي ثمانية أمور: األول: إصالح االعتقاد وتعليم العقد الصحيح. وهذا أعظم سبب إلصالح الخلق ألنه يزيل عن النفس عادة اإلذعان لغير ما قام عليه الدليل ويطهر القلب من األوهام الناشئة عن اإلشراك والدهرية وما بينهما وقد أشار إلى هذا المعنى قوله تعالى: ف م ا أ غ ن ت ع ن ه م آل ه ت ه م الهت ي ي د ع ون م ن د ون ه للا م ن ش ي ء ل هما ج اء أ م ر ر ب ك و م ا ز اد وه م غ ي ر ت ت ب ي ب ]هود: 111[. فأسند للهتهم زيادة تتبيبهم وليس هو من فعل ا للهة ولكنه من آثار االعتقاد با للهة. الثاني: تهذيب األخالق قال تعالى: و إ نهك ل ع ل ى خ ل ق ع ظ يم ]القلم: 4 [. وفسرت عائشة رضي هللا تعالى عنها لما سئلت عن خلقه هللاىلص فقالت: كان خلقه القرآن... وهذا المقصد قد فهمه عامة العرب ب ل ه خاصة الصحابة... الثالث: التشريع وهو األحكام خاصة وعامة. قال تعالى: إ نها أ ن ز ل ن ا إ ل ي ك ال ك ت اب ب ال ح ق ل ت ح ك م ب ي ن ال هناس ب م ا أ ر اك ه للا و ال ت ك ن ل ل خ ائ ن ين خ ص يما ]النساء: 115 [. ولقد جمع القرآن جميع األحكام جمعا كليا في الغالب وجزئيا في المهم.. الرابع: سياسة األمة وهو باب عظيم في القرآن القصد منه صالح األمة وحفظ نظامها كاإلرشاد إلى تكوين الجامعة بقوله: و اع ت ص م وا ب ح ب ل ه للا ج م يعا و ال ت ف هرق وا و اذ ك ر وا ن ع م ت ه للا ع ل ي ك م إ ذ ك ن ت م أ ع د اء ف أ لهف ب ي ن ق ل وب ك م ف أ ص ب ح ت م ب ن ع م ت ه 88 مجلة اإلحياء

20 د / عيسى بوعكاز إ خ و انا و ك ن ت م ع ل ى ش ف ا ح ف ر ة م ن ال هنار ف أ ن ق ذ ك م م ن ه ا ك ذ ل ك ي ب ي ن ه للا ل ك م آي ات ه ل ع لهك م ت ه ت د ون ]آل عمران: 112 [... الخامس: القصص وأخبار األمم السالفة للتأسي بصالح أحوالهم قال تعالى: ن ح ن ن ق ص ع ل ي ك أ ح س ن ال ق ص ص ب م ا أ و ح ي ن ا إ ل ي ك ه ذ ا ال ق ر آن و إ ن ك ن ت م ن ق ب ل ه ل م ن ال غ اف ل ين ]يوسف: 2 [ أ ول ئ ك الهذ ين ه د ى ه للا ف ب ه د اه م اق ت د ه ]األنعام: 91 [ وللتحذير من مساويهم قال: و ت ب يهن ل ك م ك ي ف ف ع ل ن ا ب ه م ]إبراهيم: 45 [ وفي خاللها تعليم. السادس: التعليم بما يناسب حالة عصر المخاطبين وما يؤهلهم إلى تلقي الشريعة ونشرها وذلك علم الشرائع وعلم األخبار وكان ذلك مبلغ علم مخالطي العرب من أهل الكتاب. وقد زاد القرآن على ذلك تعليم حكمة ميزان العقول وصحة االستدالل في أفانين مجادالته للضالين وفي دعوته إلى النظر ثم نوه بشأن الحكمة فقال: ي ؤ ت ي ال ح ك م ة م ن ي ش اء و م ن ي ؤ ت ال ح ك م ة ف ق د أ وت ي خ ي را ك ث يرا و م ا ي ذه هكر إ هال أ ول و األ ل ب اب ]البقرة: 319 [. وهذا أوسع باب انبجست منه عيون المعارف وانفتحت به عيون األميين إلى العلم... السابع: المواعظ واإلنذار والتحذير والتبشير وهذا يجمع جميع آيات الوعد والوعيد وكذلك المحاجة والمجادلة للمعاندين وهذا باب الترغيب والترهيب. الثامن: اإلعجاز بالقرآن ليكون آية دالة على صدق الرسول إذ التصديق يتوقف على داللة المعجزة بعد التحدي والقرآن جمع كونه معجزة بلفظه ومتحدي ألجله بمعناه والتحدي وقع فيه قل ف أ ت وا ب س ور ة م ث ل ه و اد ع وا م ن اس ت ط ع ت م م ن د و ن ه للا إ ن ك ن ت م ص اد ق ين ]يونس: 28 [. ولمعرفة أسباب النزول مدخل في ظهور مقتضى )19( الحال ووضوحه". ومن خالل استقراء العالمة دمحم الطاهر بن عاشور لكتاب هللا خلص أن مقاصد القرآن الكريم ثمانية ال يمكن الوصول إلى فهم مراد هللا عز وجل إال بإدراكها. ولم يستخدم ابن عاشور مصطلح المحاور في بيانه لمقاصد القرآن. 8- مقاصد القرآن ومحاوره عند دمحم الغزالي من خالل كتابه "المحاور الخمسة للقرآن الكريم": يمكن عد كتاب دمحم الغزالي "المحاور الخمسة للقرآن الكريم" أحد أهم المراجع في موضوع مقاصد القرآن ومحاوره وهو أول من استعمل مصطلح العدد: 8282 /82 822

21 مقاصد القرآن الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتأخرين المحاور في الدراسة القرآنية بالمعنى االصطالحي وقد جعل محاور القرآن خمسة وهي كما جاءت في كتابه: المحور األول: هللا الواحد يبين حالة البشر منذ القدم فهم إما م شرك مع هللا غيره وهؤالء قالوا: أ ج ئ ت ن ا ل ن ع ب د ه للا و ح د ه ]األعراف: 11 [ أو منكر األلوهية باألساس وهم من قالوا: م ا ه ي إ اله ح ي ات ن ا الد ن ي ا ن م وت و ن ح ي ا و م ا ي ه ل ك ن ا إ اله ال هده ر ]الجاثية: 34 [ وهؤالء وأولئك هم من قابلوا األنبياء عليهم السالم بالحرب الشعواء لم ا جاؤوا يدعونهم إلى توحيد هللا. وقد أفاض القرآن في هذه القضية وهو يمزج في ذلك بين أمرين: 1- فقر العالم إلى هللا وقيامه به واستمداده الوجود منه ألنه من المستحيل أن ينتظم هذا العالم من غير منظ م أو يتخلق من غير خالق. 3- أن هذا الخالق المدبر واحد ال شريك له ليس له ند وال ضد كل شيء هالك إال وجهه.. ويستقرئ الشيخ آيات القرآن ومسيرة التوحيد والشرك والدعوة والتكذيب ثم يؤكد أن التوحيد قانون الوجود ونظام الحياة: "فإننا نشبه المصابيح الكهربية التي ال تضيء من ذاتها وإنما تضيء بتيار يسري في األسالك إليها فإذا انقطع هذا المدد الخارجي أظلمت". المحور الثاني: الكون الدال على خالق: يؤكد الشيخ الغزالي أن الكون كله دليل على هللا من أصغر شيء إلى أكبر شيء ويدعونا للتأمل في نفوسنا وعالمنا المحدود لندرك أن الخالق قدير حكيم عليم ال منتهى لكماله وال حدود للثناء عليه.. ثم بعد ذلك نعلم أن ما غاب عن وعينا وعلمنا أكبر بكثير مما نما إليه علمنا الذي وهبنا هللا إياه لخ ل ق ال هسم او ات و األ ر ض أ ك ب ر م ن خ ل ق ال هناس ]غافر: 57 [. استمع إليه يقول: "إن الجهاز الذي يخترعه أحد العباقرة ينطق بعقل صاحبه وشدة تألقه وبديع السماوات واألرض أودع في خاليا األجسام الحية وفي ذرات األجرام الميتة ما ينادي بعلمه وحكمته وبركته.. إن هذا الكون هو المسرح األول لفكرنا والينبوع األول إليماننا" مجلة اإلحياء

22 د / عيسى بوعكاز المحور الثالث: القصص القرآني وهذا المحور هو أوسع المحاور القرآنية ويرد الشيخ على سؤال هام وهو: هل القصص الواردة في القرآن تكرار ي غني قليله عن كثيره. ثم ينفي هذا مبي نا أن لكل قصة في موضعها إيراد مقصود وأ ث ر مغاير يحتاج إليه السامع لتكتمل به الحقيقة التاريخية والتربوية... والقصص القرآني أداة للتربية ومصدر توجيه ووعظ واعتبار لذا ق ص القرآن علينا قصص الماضين ألن "اإلنسان هو اإلنسان قد يختلف في ريفه وحض ره وأميته وثقافته ولكن ذلك االختالف في وسائله إلى أهدافه أما غرائزه فهي في أصلها ثابت قلما يعروها تغيير.. إن عرام الشهوات في هوليوود ال يقل عن أمثاله من عشرات القرون في أسواق النخاسة أو مواطن البغاء مهما تقدم العلم ومخازي االستعمار ال تقل عن أمثالها أيام جبروت األباطرة والفراعنة وإن لط فت األسماء ورق ت العناوين". ثم يقودنا الغزالي في تؤدة بعد تطوافه في الحضارة الحالية إلى حضارات مشابهة ذ ك رت في القرآن الكريم لنجد أنفسنا ونحن نتحدث عن العصر الحديث بكل أبعاده من مشكالت األطفال واإليدز وغزو الفضاء إلى عمالقة عاد وقوم نوح في القصص القرآني وهو ربط فريد نجح به الشيخ الغزالي أن يبرهن على غاية سوق القصص القرآني بطريقة عملية الذي هو مناط إيراد هذا القصص التربية واالعتبار ل ق د ك ان ف ي ق ص ص ه م ع ب ر ة أل و ل ي األ ل ب اب م ا ك ان ح د يثا ي ف ت ر ى و ل ك ن ت ص د يق الهذ ي ب ي ن ي د ي ه و ت ف ص يل ك ل ش ي ء و ه دى و ر ح م ة ل ق و م ي ؤ م ن ون ] يوسف: 111 [. المحور الرابع: البعث والجزاء إن هللا أوجد البشرية ال لتعيش برهة من الزمن ثم تفنى بل خ ل قها هللا لتخلد. يقول الغزالي: "... إنه أوجدهم ليخلدوا والموت الذي يعترض ميادين على ظهر األرض هو رقدة مؤقتة أو نقطة فاصلة بين مرحلتين من الوجود كانت األولى للغرس واألخرى للحصاد. وخالل لغوب األحياء في ميادين الحياة وسكون الموتى تحت صفائح القبور يقع حادث كوني واسع المدى وصفه هللا سبحانه وتعالى بقوله: و ن ف خ ف ي الص ور ف إ ذ ا ه م م ن األ ج د اث إ ل ى ر ب ه م ي ن س ل ون ق ال وا ي او ي ل ن ا م ن ب ع ث ن ا م ن م ر ق د ن ا ه ذ ا م ا و ع د ال هرح م ن و ص د ق ال م ر س ل ون إ ن ك ان ت إ هال ص ي ح ة و اح د ة ف إ ذ ا ه م العدد: 8282 /82 828

23 مقاصد القرآن الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتأخرين ج م يع ل د ي ن ا م ح ض ر ون سي] :52-51[. أما الذين أحسنوا الغراس واستعدوا للقاء هللا فإنهم يقولون: أ ف م ا ن ح ن ب م ي ت ين إ هال م و ت ت ن ا األ ول ى و م ا ن ح ن ب م ع ذهب ين إ هن ه ذ ا ل ه و ال ف و ز ال ع ظ يم ]الصافات: [. وأما الذين ظنوا العيش بين المهد واللحد هو الوجود األول واألخير وجحدوا ما بعده فلهم شأن آخر: و ل لهذ ين ك ف ر وا ب ر ب ه م ع ذ اب ج ه نهم و ب ئ س ال م ص ير إ ذ ا أ ل ق وا ف يه ا س م ع وا ل ه ا ش ه يقا و ه ي ت ف ور ت ك اد ت م يهز م ن ال غ ي ظ ك لهم ا أ ل ق ي ف يه ا ف و ج س أ ل ه م خ ز ن ت ه ا أ ل م ي أ ت ك م ن ذ ير ]الملك: 8-1 [. وقد أكثر القرآن من الحديث عن الدار ا لخرة والتذكير بما فيها من بعث وجزاء وجنة ونار ثم يمضي القرآن مبي نا أخالق طالب جنة ا لخرة م عد دا صفاتهم من الشجاعة والصدق واإلخالص واألخالق الكريمة. ويخلص الغزالي في توصيف محور البعث والجزاء بقوله: "إن الحياة الدنيا ميدان اختبار وليست موعدا إلعالن النتائج وإقرار العدل! وفي ذلك االمتحان المعقد الثقيل قد يقتل أنبياء ويصاب شهداء وتنتشر شائعات على أنها حقائق وتدرس جهاالت على أنها علم والبد من يوم تعود فيه االستقامة لهذه الموازين المختلة وتصح فيه األوضاع السقيمة. البد من يوم القيامة ي و م ئ ذ ي ص د ر ال هناس أ ش ت اتا ل ي ر و ا أ ع م ال ه م ف م ن ي ع م ل م ث ق ال ذ هرة خ ي را ي ر ه و م ن ي ع م ل م ث ق ال ذ هرة ش ر ا ي ر ه ]الزلزلة: 8-1 [. المحزن أن أكثر الناس مصروف عن هذه الحقيقة. المحور الخامس: ميدان التربية والتشريع ويؤكد الغزالي أن رسالة اإلنسان كما وصفها القرآن توض ح درجة الرفعة التي أرادها هللا له.. لقد خلقه هللا ليكون خليفة له وعبادة اإلنسان هلل لم يكلفه هللا بها انتظارا لنائل يعود على المعبود منها ولكنه تكليف للبشري ليعرف وضعه على حقيقته ويكون انتماؤه هلل ووالؤه هلل.. والتربية الصحيحة هي التي تقوم على وعي عام بغايات الوجود ووعي م فص ل بمعالم الكمال التي أسهب الدين في شرحها واستفاضت أنباؤها في الكتاب والسنة. ويؤكد الغزلي كذلك عوائق قيام هذا النموذج وعقبات تفك االرتباط بين العلم والعمل والرغبة والتنفيذ لذا فالتربية الناجحة مهمة شاقة وصناعة اإلنسان من أعقد الصناعات في الدنيا. 828 مجلة اإلحياء

24 د / عيسى بوعكاز ثم يمضي في توضيح هذا المحور في القرآن الكريم فيبرز أمامنا الفتة كبيرة تقول:"هللا يحب" و"هللا ال يحب" كأسلوب تربوي اتخذه القرآن ليت بع المؤمنون ما يحبه هللا ويجتنبوا ما ال يحبه. ويمضي الغزالي في تفصيل ما يحبه هللا كما ورد في القرآن الكريم في إسقاط على واقعنا وبمعان ت عيننا على السعي إلدراك ما يحبه هللا والبعد عما ال يحبه فيحض على اإلحسان والتوبة والتقوى والتوك ل وينهى عن الفساد واالعتداء والفخر واإلسراف والخيانة والجهر بالسوء من القول في إحصاء ليات القرآن الواردة بصيغة "هللا يحب" و"هللا ال يحب.". فاإلنسان ال يبلغ تلك المكانة التي رشحه القرآن بلوغها إال بأسلوب التربية و التعليم. ومن خالل استقراء الشيخ الغزالي كتاب هللا ي جمل محاوره في هذه المحاور الخمسة وقبل كل ذلك نجح في أن ينقل عالقتنا بالقرآن الكريم من عالقة المتلقي لالستماع أو القارئ لبلوغ آخر السورة إلى عالقة المتلقي للتنفيذ والقارئ للتدبر.. وهي النقطة التي صاغ بها القرآن القلوب وفتح بها العقول لتس ود الدنيا كلها ل ق د أ نز ل ن ا إ ل ي ك م ك ت ابا ف يه ذ ك ر ك م أ ف ال ت ع ق ل ون ]األنبياء: 11 [. الخاتمة: وبعد هذا العرض الموجز للدراسات التي تناولت مقاصد القرآن ومحاوره عند بعض المتقدمين وبعض المتأخرين يمكن أن نخلص إلى النتائج التالية: - محاور القرآن هي الموضوعات التي تدور عليها السورة والتي يتم من خاللها التوصل للمقصد األصلي من السورة. - القرآن الكريم احتوى على أعلى المقاصد وأكبرها فهو أصل األصول ومصدر المصادر. - إن جميع المقاصد القرآنية المعتبرة إنما هي راجعة في جملتها أو تفصيلها تصريحا أو تضمينا إلى هدي القرآن وتعاليمه وأسراره وتوجيهاته. أهمية معرفة مقاصد القرآن الكريم و فوائدها كثيرة ومنها: العدد: 8282 /82 828

25 مقاصد القرآن الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتأخرين - فهم القرآن وتفسيره فالعلم بالمقاصد ليس مقصودا لذاته وإنما يراد به إعماله واستثماره في فهم النصوص الشرعية وتوجيهها وهذا يكون على الخصوص في النصوص ظنية الداللة. - تناول المتقدمون علم مقاصد القرآن ومحاوره وبينوا مسائل عديدة منه بأسلوب التصريح أو التلميح ولكن دون تحديد للمصطلح باسم محدد. - مصطلح المحاور منهم من أشار إلى معناه دون استخدام اسمه وتحديد لمعناه بالدقة المصطلحية المعهودة عند المتقدمين واستخدم عند المتأخرين باسمه. والموضوع يستحق مساحة أرحب مما هو مسموح به في هذا المقام. الهوامش: 1- معجم مقاييس اللغة أحمد بن فارس تحقيق عبد السالم دمحم هارون دار الفكر 1299 ه م مادة "قصد". - 3 تهذيب اللغة أبو منصور دمحم بن أحمد بن األزهري تحقيق: دمحم عوض مرعب دار إحياء التراث العربي بيروت ط 3111 م 1 مادة "قصد". - 2 قواعد األحكام في مصالح األنام أبو دمحم عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم دار الكتب العلمية - بيروت ودار أم القرى القاهرة 1414 ه م ج 1 ص عرفها عالل الفاسي بقوله:" "المراد بمقاصد الشريعة: الغاية منها واألسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها" عالل الفاسي مقاصد الشريعة ومكارمها دار الغرب اإلسالمي ط 1992 م 5 ص 7. وأجمل أحمد الريسوني تعريف مقاصد شريعة بقوله:"مقاصد الشريعة هي الغايات التي وضعت الشريعة ألجل تحقيقها لمصلحة العباد". نظرية المقاصد عند اإلمام الشاطبي ص 7-1. وينظر: كتابه الفكر المقاصدي قواعده وفوائده ص مقاييس اللغة ابن فارس مادة" حور" ج 3 ص جامع البيان في تأويل القرآن دمحم بن جرير الطبري تحقيق: أحمد دمحم شاكر مؤسسة الرسالة ط ه م ج 2 ص الجامع ألحكام القرآن أبو عبد هللا دمحم بن أحمد القرطبي دار الكتب المصرية - القاهرة ط ه م ج 1 ص مجلة اإلحياء

26 د / عيسى بوعكاز 8- طرق الكشف عن مقاصد الشارع نعمان جغيم دار النفائس- عمان األردن ط ه م ص الفكر المقاصدي: قواعده وفوائده أحمد الريسوني مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء المغرب ص مقاصد الشريعة عند ابن تيمية يوسف أحمد دمحم البدوي دار النفائس 3111 م ص مقاصد الشريعة عند ابن تيمية يوسف أحمد دمحم البدوي ص مقاصد المقاصد عماد الدين عشماوي ص 51 نقال عن: ينظر: جواهر القرآن أبو حامد الغزالي دار الكتب العلمية بيروت ط ه م معالم التنزيل في تفسير القرآن أبو دمحم الحسين بن مسعود البغوي تحقيق: عبد الرزاق المهدي دار إحياء التراث العربي بيروت ط ه ج 1 ص التسهيل لعلوم التنزيل أبو القاسم دمحم بن أحمد بن دمحم بن عبد هللا ابن جزي تحقيق عبد هللا الخالدي شركة دار األرقم بن أبي األرقم بيروت- لبنان ط ه ج 1 ص ينظر:الوحي المحمدي دمحم رشيد بن علي رضا دار الكتب العلمية بيروت ط ه م ص مناهل العرفان في علوم القرآن الزرقاني دار الكتاب العربي بيروت ط 1432 ه م ص مناهل العرفان في علوم القرآن الزرقاني ص التحرير والتنوير دمحم الطاهر بن عاشور الدار التونسية للنشر تونس 1984 م ج 1 ص 41. العدد: 8282 /82 828